تعد الخرسانة من أكثر المواد المستخدمة في البناء، وتتميز بقوتها ومتانتها، إلا أنها قد تواجه بعض المشاكل أثناء عملية الصب أو بعد أن تصبح جاهزة للاستخدام. من بين هذه المشاكل، يعتبر التعشيش في الخرسانة من أكثر العيوب شيوعاً التي تؤثر على جودة البناء وتقلل من متانته. التعشيش هو وجود فراغات أو تجاويف في الخرسانة نتيجة لعدم التوزيع الجيد للمكونات أو بسبب عدم قدرة الخرسانة على الوصول إلى كافة الأماكن في القوالب. ويمكن أن يؤدي هذا العيب إلى تقليل قدرة الخرسانة على تحمل الأحمال والتأثير على استدامتها بمرور الوقت.

في هذا المقال، سنتعرف على كيفية إصلاح التعشيش في الخرسانة باستخدام تقنيات فعّالة وممارسات مجربة تساهم في تعزيز قوة ومتانة البناء. سنتناول أسباب حدوث التعشيش، أنواعه، طرق الكشف عنه، ثم نقدم حلولًا وتقنيات لإصلاحه بما يضمن استعادة خصائص الخرسانة وتحقيق معايير السلامة المطلوبة.

1. ما هو التعشيش في الخرسانة؟

التعشيش في الخرسانة هو ظهور تجاويف أو فراغات داخل الكتلة الخرسانية نتيجة لعدم وصول المكونات الأساسية (مثل الاسمنت، الرمل، الحصى) إلى جميع أجزاء المصفوفة الخرسانية أثناء عملية الصب. يمكن أن يحدث التعشيش بسبب عدة عوامل، مثل عدم الاستخدام السليم للخلطات أو الارتجاج غير الكافي للخرسانة أو قوالب غير ملائمة.

2. أسباب التعشيش في الخرسانة

توجد عدة أسباب تؤدي إلى حدوث التعشيش في الخرسانة، وأبرزها:

2.1 التغذية غير المنتظمة للخرسانة

أحد الأسباب الرئيسية للتعشيش هو عدم استخدام الطريقة الصحيحة في صب الخرسانة، مثل التغذية غير المنتظمة أو التأخر في صب الخرسانة في الأجزاء العليا للقوالب مما يؤدي إلى تراكم الهواء في المسافات الضيقة وعدم توزيع الخرسانة بشكل متساوٍ.

2.2 قلة الاهتزاز أو الارتجاج

عملية الاهتزاز أو الارتجاج (vibration) هي وسيلة أساسية لضمان توزيع الخرسانة بشكل متساوٍ في القوالب. إذا تم إجراؤها بشكل غير كافٍ أو غير مناسب، يمكن أن يؤدي ذلك إلى عدم ملء الفراغات في القوالب بالشكل المطلوب، مما يسبب التعشيش.

2.3 الخلطات غير المناسبة

في بعض الأحيان، تكون الخلطة الخرسانية المستخدمة غير مناسبة أو غير متجانسة. على سبيل المثال، قد يكون هناك نقص في نسبة المواد المضافة أو تكون المواد الحبيبية غير متوافقة مع بعضها البعض، مما يسبب عدم توزيع الخلطة بشكل سليم داخل القوالب.

2.4 القوالب غير الجيدة أو المسدودة

القوالب أو النماذج التي يتم صب الخرسانة فيها يجب أن تكون نظيفة وسليمة. وجود أي انسداد أو تلف في القوالب قد يؤدي إلى عدم تدفق الخرسانة بشكل صحيح وبالتالي التسبب في حدوث التعشيش.

2.5 الظروف البيئية القاسية

التعرض لظروف بيئية قاسية مثل الحرارة المرتفعة أو الرياح القوية قد يسبب تجفيف الخرسانة بسرعة أكبر من المتوقع، مما يعيق تدفق الخلطة الخرسانية بشكل طبيعي داخل القوالب ويؤدي إلى التعشيش.

3. طرق الكشف عن التعشيش في الخرسانة

لكي نتمكن من إصلاح التعشيش في الخرسانة بشكل فعال، يجب أولاً تحديد أماكن التعشيش بدقة. هناك عدة طرق يمكن استخدامها للكشف عن التعشيش في الخرسانة:

3.1 الفحص البصري

يتم فحص الخرسانة بشكل بصري للتأكد من وجود أي فجوات أو تجاويف على السطح أو بالقرب من الحواف. يمكن أن تكون هذه الفجوات مرئية بسهولة عند النظر إلى الخرسانة.

3.2 الاختبارات الميكانيكية

يتم استخدام اختبارات مثل اختبار الصوت (sonic test) أو اختبار الرنين لاكتشاف أماكن التعشيش في الخرسانة. هذا النوع من الاختبارات يعتمد على استخدام أجهزة تقيس الموجات الصوتية المنعكسة عن سطح الخرسانة للكشف عن الفراغات داخل الكتلة الخرسانية.

3.3 الفحص باستخدام الأشعة السينية

تعد هذه الطريقة من أكثر الطرق دقة، حيث يتم استخدام الأشعة السينية للكشف عن الفراغات داخل الخرسانة دون الحاجة لإزالة أي جزء منها.

4. تقنيات إصلاح التعشيش في الخرسانة

إصلاح التعشيش في الخرسانة يتطلب اتخاذ عدة خطوات فعّالة لضمان استعادة الخرسانة لمتانتها وقوتها. تعتمد تقنيات الإصلاح على حجم وشدة التعشيش، وكذلك على نوع الخرسانة. إليك بعض الطرق الشائعة لإصلاح التعشيش في الخرسانة:

4.1 إزالة الجزء المتعشّش

أول خطوة في إصلاح التعشيش هي إزالة الجزء المتعشّش من الخرسانة. يتم استخدام الأدوات المناسبة مثل المطارق أو المثاقب أو أجهزة الحفر لإزالة الخرسانة التالفة أو المتعشّشة حتى الوصول إلى الخرسانة السليمة.

4.2 تنظيف المنطقة المزالة

بعد إزالة الجزء المتعشّش، يجب تنظيف المنطقة بعناية باستخدام الفرش أو الهواء المضغوط للتأكد من إزالة أي أتربة أو غبار أو مواد أخرى قد تؤثر على الالتصاق بين الخرسانة الأصلية والخرسانة الجديدة.

4.3 إعداد الخلطة المناسبة

يجب استخدام خلطة خرسانية قوية ومتجانسة لملء الفجوات الناتجة عن التعشيش. يمكن استخدام مواد إضافية مثل الإضافات الكيميائية لتحسين التصاق الخرسانة وضمان متانتها.

4.4 صب الخرسانة الجديدة

بعد تحضير الخلطة الخرسانية، يتم صبها في الفراغات المزالة. يتم الاهتزاز أو الارتجاج لضمان توزيع الخرسانة بشكل جيد داخل الفراغات وضمان ملء المساحة المفقودة بشكل كامل.

4.5 إعادة الاهتزاز لضمان الجودة

بعد صب الخرسانة، يتم الاهتزاز مجددًا باستخدام جهاز اهتزازي أو خلاط خرسانة للتأكد من عدم وجود أي فراغات داخل الخرسانة الجديدة وضمان تماسكها مع الخرسانة القديمة.

4.6 معالجة الخرسانة بعد الصب

من المهم أن يتم معالجة الخرسانة بعد إتمام عملية الصب. يشمل ذلك تبريد الخرسانة، وحمايتها من الرياح والحرارة الزائدة، أو رشها بالماء لضمان تجنب التشقق وتحقيق عملية التصلب الأمثل.

4.7 الفحص النهائي

بعد أن تجف الخرسانة ويتم التحقق من تماسكها، يجب إجراء فحص نهائي للتأكد من عدم وجود أي فراغات أو تجاويف جديدة. يتم هذا الفحص باستخدام نفس الطرق الميكانيكية أو البصرية المذكورة سابقًا.

5. أهمية إصلاح التعشيش في الخرسانة

إصلاح التعشيش في الخرسانة ليس مجرد عملية تجميلية، بل هو أمر حيوي للحفاظ على قوة وصلابة الهيكل الخرساني. يمكن أن يؤدي التعشيش إلى:

• تدهور قدرة التحميل: قد يؤدي التعشيش إلى تقليل قدرة الخرسانة على تحمل الأحمال التي يتعرض لها الهيكل.


• زيادة خطر التشققات: مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي التعشيش إلى حدوث شقوق إضافية وتدهور في الهيكل.


• فقدان المتانة: قد يؤثر التعشيش على المتانة الإجمالية للخرسانة ويقلل من عمر المبنى.

لذلك، من الضروري إصلاح التعشيش في الوقت المناسب باستخدام الطرق المناسبة لضمان استدامة البناء.

6. خاتمة

إصلاح التعشيش في الخرسانة هو خطوة أساسية للحفاظ على قوة واستقرار المباني والمنشآت الخرسانيّة. من خلال استخدام تقنيات فعّالة وممارسات سليمة، يمكن تعزيز متانة الخرسانة وتحقيق مستويات عالية من الأمان والجودة في البناء. إن فهم أسباب التعشيش واتباع الإجراءات الصحيحة لإصلاحه من الأمور التي تساهم بشكل كبير في تحسين الأداء الهيكلي وضمان استدامة المباني على المدى الطويل.